كان برنامجا من برامج إذاعة القرآن الكريم..
المذيعة تتكلم بلغة عربية فصحي، وتسأل ضيفها:
– وما حكم من أفطر في رمضان من غير عذر..؟!
هنا بدت لهجة الضيف توحي بالخطورة وهو يقول:
– ثبت في حديث النبي ﷺ أنه قال:
“من أفطر يوما في رمضان من غير رخصة لم يقض عنه صيام الدهر وإن صامه”.
لم يكتف الضيف بذلك، بل أردف:
– بل قال بعض العلماء: لو صام الدهر كله إلى يوم القيامة لا يكفيه..!
قلت لنفسي متعجبا:
– أليس هذا شبيه بإجابة العابد، الذي أغلق باب التوبة في وجه قاتل التسع والتسعين نفسا، لما قال له: لا توبة لك..؟!
انتشر الوعاظ في مجتمعاتنا وقل العلماء، حتى إن كثيرا من أصحاب الشهادات، باتوا يسلكون مسلك الوعاظ في الفتوى والعلم، فآل حالنا إلى مانحن فيه من غلبة المظاهر الدينية، مع البعد عن حقائق الإسلام وجوهر الشريعة..
الحديث الذي استشهد به، حديث لايصح على الراجح، فهو من رواية (ابن المطوَّر) ، الذي قال عنه (ابن خزيمة): لا أعرفه ولا أعرف أباه.
وقال الحافظ (ابن حجر): الحديث فيه جهالة وانقطاع واضطراب.
ولذلك علقه (البخاري) في صحيحه بصيغة التمريض إشارة إلى ضعفه.
هذا الذي أفطر في رمضان، أين يذهب..؟!
ولا سيما أن الضيف لم يكتف بذكر الحديث، إنما أتى بتفسير غريب متعسف من عنده، وأضاف بأنه لا يكفي من أفطر في نهار رمضان أن يصوم الدهر إلى يوم القيامة..!
لماذا نغلق في وجوه الناس باب التوبة المفتوح إلى يوم القيامة..؟!
كان ينبغي أن ننبه السائل إلى أن الفطر في نهار رمضان من كبائر الذنوب، بَيْد أن من تاب وقضى يوما بدلا منه، تاب الله عليه.
هكذا دين الإسلام، دين السماحة واليسر، إنما الذي يدفعنا إلى الخروج إلى الكلفة والمشقة هو الاعتماد على مصادر غير صحيحة، أو التكلف والتعنت في تفسير النصوص بما لادليل عليه.
تعلموا الدين من النبعين الصافيين من الكتاب والسنة الصحيحة، واختاروا العلماء الذين يحسنون فهم النصوص الشرعية، فلايخرجون عن فهم أسلافنا الصالحين، ويميزون ما قاله الرسول ﷺ لم يقله.
وحينئذ ستعرفون محاسن الدين الإسلامي
وأنه دين الرحمة..
واليسر..
والسماحة..
{ وَمَن یَعۡمَلۡ سُوۤءًا أَوۡ یَظۡلِمۡ نَفۡسَهُۥ ثُمَّ یَسۡتَغۡفِرِ ٱللَّهَ یَجِدِ ٱللَّهَ غَفُورࣰا رَّحِیمࣰا } [سُورَةُ النِّسَاءِ: ١١٠]
مستفادة من:
د. أحمد رجب
يفضل قراءة سياسة استخدام الموقع ونسخ الرابط قبل التواصل معنا.